البحر والسّم

 

 



كانت هذه الرواية ثاني تجربة يابانية بعد الغابة النرويجية، مع المفارقة الشاسعة والفاقعة بين الاثنتين!، فبحجم المتعة في حكايات هاروكي موراكامي الناعمة، بحجم الصلافة واللا انسانية جاء بها اندو في روايته “البحر والسّم”! ولا عجب حصولها على جائزة أكوتاجاوا حين جائت بأحداث من العيار الثقيل في فترة الحرب التي عاشتها اليابان. تحكي الرواية في البدء عن مريض رئة يتعالج بالاسترواح الهوائي حيث ينتقل هو وزوجته الى مكانٍ ما يلتقي فيه مع الطبيب الفض [سوجورو]. فضوله في معرفة خلفية وماضي هذا الطبيب هو المدخل الى الحكاية الرئيسية لشاوسكو التي تبدأ بتجربة طبية (لا انسانية) تحدث في المستشفى الجامعي في فوكوكا ويقوم بها اعضاء هيئة تدريس كلية الطب خلال الحرب وتحت القصف، وتفاصيلها عن تجربة (تشريح الأحياء).. أعلم أن مابين القوسين من اكثر الأشياء المثيرة للتقزز، ولكن (هيك بدّو المخرج). التجربة قائمة على تشريح ٨ من أسرى سلاح الجو الامريكي وذلك للحصول على معلومات دقيقة من خلال تشريحهم كنوعية الدم وكميته التي يمكن للانسان ان يفقدها وان يستمر خلالها على قيد الحياة، وعن كمية الماء المالح الممكن حقنها في الدم ومدى تقبل الجسم لتلك الكمية، كذلك وعن أقصى نقطه في استطاعة الانسان ان يصل اليها عند استئصال أنسجة الرئة.

مرئياتي الشخصية حول الاحداث:- وجدت السرد جيد إلى عاديّ وقد أعوّل اي تقصير الى المترجم (كامل يوسف حسين) أخذاً في الاعتبار حصول الرواية بلغتها الاصلية على جائزة اكوتاجاوا كما ذكرت سابقاً، الأحداث عنيفة أو ربما قوية أكثر من أن تحتملها المعدة.. لا ادري ولكن لو كان لي تصنيفها إلى رفّين، لوضعتها على رفّ الرجال وبشكلٍ قاطع!، قراءاتي للأدب المترجم قليلة ومحدودة.. ولكن أظنها جاءت بشيءٍ جديد وقفزة أولومبيّة في قضية تشريح الأحياء للأسرى وذلك حتى في تبرير الأطباء المشتركين في تلك العملية وإيعاز ارتياح ضميرهم إلى كون الاسرى سيموتون على كل حال ومن الأفضل لهم أن يموتوا ومعهم شرف تحقيق او خدمة العلم والطب!.

بعضُ الاقتباسات من الرواية:-

(الرجال الهضيمون من أمثالي مصابون بمحنة الشعور المرير بالدونية، خاصة حينما يواجهون رجلاً قوي البنية).

(كم هو جميل أن يكون له ولد بعد فترة، وأن يستقر مع زوجته في ضاحية محدودة التكاليف في مكان ما “ليستمتع بضرب عاديّ من السعادة”. مامن شيء خاص، مامن شيء يستحق الإطراء، لكني فيما كنت أنظر اليهما راحت افكاري تضرب من دون ان تتخذ اتجاهاً بعينه، بدا لي “ان ماهو عادي يمكن أن يكون المرء أعظم سعادة”.)

(وتماماً كما هي الحال مع واجهة العرض في ماتسوبارا الغربية التي تمر بها الشاحنات، فإن غبار السنين يستقر على وجوهنا أيضاً).

( إن الوغد البائس الذي لا يلقى حتفه في المستشفى يحصل كل ليلة على فرصته في ان يموت خلال غارة جوية).

(شعر سوجورو برائحة العنبر المقيتة، الطاغية، وحدث نفسه في فتور قائلا إنه إذا كان لموت البشر رائحة، فإنها هذه الرائحة بعينها).

(ليس الأطباء قديسين، انهم يريدون النجاح، ينشدون ان يصبحوا أساتذة طب مكتملي الأهلية، وحينما يرغبون في تجريب أسلوب فني جديد، لا يقتصرون في تجاربهم على القردة والكلاب، هذا هو العالم يا سوجوروا، وينبغي أن تلقي عليه نظرة عن كثب).

(مريضتي الأولى، الآن هاهي تمضي مبللة بالمطر، موضوعة في تابوت من الخشب البرتقالي، الان بالنسبة لي، بالنسبة للحرب، لليابان، لكل شيء، فلتمضِ الأمور كيفما طاب لها).

 

 

 أخيراً .. قراءة خالية من الغثيان أتمناها لكم :/

.

رد واحد to “البحر والسّم”

  1. غوايات السرد .. Says:

    يأخذك بسحره فتغدو نورساً يحلق بلا هدى ، يسقيك سمه فتندلق أمامك أنهار الجحيم فتتخثر منقوعاً كإسفنج المحيطات تمتص ذاتك فلا تجني غير مزيد من الألم والشقاء .. البحر يمارس الغواية ، والسم يختم الحكاية ، فما البحر والسم إلا قرينان في سرد الحكايات المسحور ..!

أضف تعليق